فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله: {خذ من أموالهم صدقة} الآية.
روي أن أبا لبابة والجماعة التائبة التي ربطت أنفسها وهي المقصودة بقوله: {خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا} جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تيب عليها فقالت يا رسول الله إنَّا نريد أن نتصدق بأموالنا زيادة في توبتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أعرض لأموالكم إلا بأمر من الله فتركهم حتى نزلت هذه الآية فهم المراد بها، فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ثلث أموالهم مراعاة لقوله تعالى: {من أموالهم}، فهذا هو الذي تظاهرت به أقوال المتأولين، ابن عباس رضي الله عنه وغيره، وقالت جماعة من الفقهاء: المراد بهذه الزكاة المفروضة، فقوله على هذا {خذ من أموالهم} ضميره لجميع الناس، وهو عموم يراد به الخصوص إذ يخرج من الأموال الأنواع التي لا زكاة فيها كالثياب والرباع ونحوه، والضمير الذي في {أموالهم} أيضًا كذلك عموم يراد به خصوص، إذ يخرج منه العبيد وسواهم، وقوله: {صدقة} مجمل يحتاج إلى تفسير، وهذا يقتضي أن الإمام يتولى أخذ الصدقات وينظر فيها، و{من} في هذه الآية للتبعيض، هذا أقوى وجوهها، وقوله: {تطهرهم وتزكيهم بها} أحسن ما يحتمل أن تكون هذه الأفعال مسندة إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن تكون في موضع الحال من الضمير في {خذ}، ويحتمل أن تكون من صفة الصدقة وهذا مترجح بحسب رفع الفعل ويكون قوله: {بها} أي بنفسها أي يقع تطهيرهم من ذنوبهم بها، ويحتمل أن يكون حالًا من الصدقة، وذلك ضعيف لأنها حال من نكرة، وحكى مكي أن يكون {تطهرهم} من صفة الصدقة، وقوله: {وتزكيهم بها} حالًا من الضمير في {خذ}.
قال القاضي أبو محمد: وهذا مردود لمكان واو العطف لأن ذلك يتقدر خذ من أموالهم صدقة مطهرة ومزكيًا بها، وهذا فاسد المعنى، ولو لم يكن في الكلام واو العطف جاز، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {تطْهرهم} بسكون الطاء، وقوله: {وصل عليهم} معناه ادع فهم فإن في دعائك لهم سكونًا لأنفسهم وطمأنينة ووقارًا، فهذه عبارة عن صلاح المعتقد، وحكى مكي والنحاس وغيرهما أنه قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله: {ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبدًا} [التوبة: 84].
قال القاضي أبو محمد: وهذا وهم بعيد وذلك أن تلك في المنافقين الذين لهم حكم الكافرين، وهذه في التائبين من التخلف الذين لهم حكم المؤمنين فلا تناسخ بين الآيتين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ونافع وابن عامر {إن صلواتك} بالجمع، وكذلك في هود وفي المؤمنين وقرأ حفص عن عاصم وحمزة والكسائي {ان صلاتك} بالإفراد، وكذلك قرأ حمزة والكسائي في هود وفي المؤمنين، وقرأ عاصم في المؤمنين وحدها جمعًا، ولم يختلفوا في سورة الأنعام وسأل سائل، وهو مصدر أفردته فرقو وجمعته فرقة، وقوله: {سميع} لدعائك {عليم} أي بمن يهدي ويتوب عليه وغير ذلك مما تقتضيه هاتان الصفتان وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية فعل ما أمر به من الدعاء والاستغفار لهم، قال ابن عباس {سكن لهم} رحمه لهم، وقال قتادة {سكن لهم} أي وقار لهم.
قال القاضي أبو محمد: وإنما معناه أن من يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم فإنه تطيب نفسه ويقوى رجاؤه، ويروى أنه قد صحت وسيلته إلى الله تعالى وهذا بين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة}
قال المفسرون: لما تاب الله عز وجل على أبي لبابة وأصحابه قالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا فتصدق بها عنا، فقال: «ما أُمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا» فنزلت هذه الآية.
وفي هذه الصدقة قولان:
أحدهما: أنها الصدقة التي بذلوها تطوعًا، قاله ابن زيد، والجمهور.
والثاني: الزكاة، قاله عكرمة.
قوله تعالى: {تطهرهم} وقرأ الحسن {تطهرْهم بها} بجزم الراء.
قال الزجاج: يصلح أن يكون قوله: {تطهرهم} نعتًا للصدقة، كأنه قال: خذ من أموالهم صدقة مطهِّرة.
والأجود أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، المعنى: فانك تطهرهم بها.
فـ {تطهرْهم} بالجزم، على جواب الأمر، المعنى: إن تأخذ من أموالهم، تطهرْهم.
ولا يجوز في: {تُزكِّيهم} إلا إثبات الياء، اتّباعًا للمصحف.
قال ابن عباس: {تطهرهم} من الذنوب، {وتزكيهم}: تصلحهم.
وفي قوله: {وصلّ عليهم} قولان:
أحدهما: استغفر لهم، قاله ابن عباس.
والثاني: ادع لهم، قاله السدي.
قوله تعالى: {إن صلواتِك} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {إن صلواتك} على الجمع.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {إن صلاتك} على التوحيد.
وفي قوله: {سكنٌ لهم} خمسة أقوال:
أحدها: طمأنينة لهم أن الله قد قَبِلَ منهم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
وقال أبو عبيدة: تثبيت وسكون.
والثاني: رحمة لهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: قُرْبَةٌ لهم، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والرابع: وَقَارٌ لهم، قاله قتادة.
والخامس: تزكية لهم.
حكاه الثعلبي.
قال الحسن، وقتادة: وهؤلاء سوى الثلاثة الذين خُلِّفوا. اهـ.

.قال القرطبي:

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}
فيه ثمان مسائل:
الأولى قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} اختلف في هذه الصدقة المأمور بها؛ فقيل: هي صدقة الفرض؛ قاله جُويبر عن ابن عباس، وهو قول عكرمة فيما ذكر القشيري.
وقيل: هو مخصوص بمن نزلت فيه؛ فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخذ منهم ثلث أموالهم، وليس هذا من الزكاة المفروضة في شيء؛ ولهذا قال مالك: إذا تصدّق الرجل بجميع ماله أجزأه إخراج الثلث؛ متمسكًا بحديث أبي لُبابة.
وعلى القول الأوّل فهو خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم يقتضي بظاهره اقتصاره عليه فلا يأخذ الصدقة سواه، ويلزم على هذا سقوطها بسقوطه وزوالها بموته.
وبهذا تعلق مانعو الزكاة على أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وقالوا: إنه كان يعطينا عوضًا منها التطهير والتزكية والصلاة علينا وقد عدمناها من غيره.
ونظم في ذلك شاعرهم فقال:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا ** فيا عجبًا ما بال مُلْك أبي بكر

وإن الذي سألوكُم فمنعتُم ** لكالتمر أو أحلى لديهم من التمر

سنمنعهم ما دام فينا بقيّة ** كرامٌ على الضّراء في العسر واليسر

وهذا صنف من القائمين على أبي بكر أمثلهم طريقة، وفي حقهم قال أبو بكر: والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة.
ابن العربيّ: أما قولهم إن هذا خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم فلا يلتحق به غيره فهو كلام جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة متلاعب بالدين؛ فإن الخطاب في القرآن لم يرد بابًا واحدًا ولكن اختلفت موارده على وجوه، فمنها خطاب توجه إلى جميع الأمة كقوله: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة} وقوله: {يا أيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} ونحوه.
ومنها خطاب خُصَّ به ولم يشركه فيه غيره لفظًا ولا معنى كقوله: {وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [الإسراء: 79] وقوله: {خَالِصَةً لَكَ}.
ومنها خطاب خُصّ به لفظًا وشَرَكه جميع الأمة معنىً وفعلًا؛ كقوله: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} [الإسراء: 78] الآية.
وقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله} [النحل: 98] وقوله: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاة} [النساء: 102] فكل من دَلَكَتْ عليه الشمس مخاطب بالصلاة.
وكذلك كل من قرأ القرآن مخاطب بالاستعاذة.
وكذلك كل من خاف يقيم الصلاة بتلك الصفة.
ومن هذا القبيل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}.
وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النبي اتق الله} [الأحزاب: 1] و{يا أيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء} [الطلاق: 1].
الثانية قوله تعالى: {مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ذهب بعض العرب وهم دوسٌ: إلى أن المال الثيابُ والمتاع والعُروض.
ولا تسمِّي العين مالًا.
وقد جاء هذا المعنى في السُّنة الثابتة من رواية مالك عن ثور بن زيد الدِّيلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ خيبر فلم نغنم ذهبًا ولا وَرِقًا إلا الأموال الثياب والمتاع.
الحديث: وذهب غيرهم إلى أن المال الصامت من الذهب والورق.
وقيل: الإبل خاصة؛ ومنه قولهم: المال الإبل.
وقيل: جميع الماشية.
وذكر ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى ثعلب النحوي قال: ما قصر عن بلوغ ما تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فليس بمال؛ وأنشد:
والله ما بلغتْ لي قطُّ ماشيةٌ ** حدّ الزكاة ولا إبل ولا مال

قال أبو عمر: والمعروف من كلام العرب أن كل ما تُمُوِّل وتُمُلِّك هو مال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يقول ابن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو تصدّق فأمضى» وقال أبو قتادة: فأعطاني الدرع فابتعت به مَخَرفا في بني سلمة؛ فإنه لأوّل مال تأثلته في الإسلام.
فمن حلف بصدقة ماله كله فذلك على كل نوع من ماله، سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن؛ إلا أن ينوي شيئًا بعينه فيكون على ما نواه.
وقد قيل: إن ذلك على أموال الزكاة.
والعلم محيط واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مالًا.
والله أعلم.
الثالثة قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} مطلق غير مقيد بشرط في المأخوذ والمأخوذ منه، ولا تبيين مقدار المأخوذ ولا المأخوذ منه.
وإنما بيان ذلك في السنة والإجماع.
حسب ما نذكره.
فتؤخذ الزكاة من جميع الأموال.
وقد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة في المواشي والحبوب والعين، وهذا ما لا خلاف فيه.
واختلفوا فيما سوى ذلك كالخيل وسائر العُروض.
وسيأتي ذكر الخيل والعسل في النحل إن شاء الله.
روى الأئمة عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس فيما دون خمسة أوسُق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذَوْد من الإبل صدقة» وقد مضى الكلام في الأنعام في زكاة الحبوب وما تنبته الأرض مستوفى.